هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك ابن النضر بن كنانة. هكذا ورد نسبها في جميع المصادر مختصرا وكاملا، وقد شذ عنها(عمدة الطالب)للنسابة أحمد بن علي الداودي الحسيني حيث أضاف لنسبها عبد مناف، وهو أحد أجداد النبي(صلى الله عليه وآله)، وهذا الاشتباه على ما يبدو ناتج من وضع النساخ، لأن عبد العزى أخو عبد مناف أبوهما قصي فجعلا معا. ويلتقي نسبها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الجد الرابع وهو قصي بن كلاب، لأن نسب الرسول (صلى الله عليه وآله) هكذا: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، لذا جاء في بعض الروايات بأن خديجة كانت تخاطبه بابن العم. وأم خديجة هي فاطمة بنت زائدة بن الأصم- والأصم اسمه جندب- بن هرم بن رواح بن حجر بن عبد معيص بن عامر بن لؤي بن غالب. ولادتها ولدت خديجة قبل عام الفيل بخمس عشرة سنة من بيت مجد وسؤدد وفروسية وشرف ويسار، فنشأت على التخلق بالأخلاق الحميدة، واتصفت بالحزم والعقل والعفة حتى دعاها قومها في الجاهلية بـ(الطاهرة). صفتها كانت خديجة امرأة طويلة شامخة عريضة من النساء بيضاء لم ير في عصرها ألطف منها ولا أحسن. كنيتها وألقابها كانت تكنى بأم هند وتلقب بالسيدة الطاهرة، وذلك لشدة عفافها، واشتهر تلقيبها بالكبرى، لعظم شأنها في المحافل، ومن ألقابها الغراء، وسيدة نساء قريش، وسيدة نساء العالمين. أبوها كان أبوها خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، أبو عدي، من الفرسان ويلقب بأبي الخسف، وذلك لإبائه الخسف، ولإبائه على بني بكر حينما أقبل يوما في سفره حتى ورد كُليّة - وهو واد قرب الجحفة- فوجد عليها حاضرا عظيما من بني بكر فأراد خويلد وأصحابه أن يسقوا من حوض كلية، فأتاهم نفر من بني بكر فمنعوهم الماء إلا بثمن. فقال خويلد لأصحابه: يا قوم متى تسومكم بنو بكر سوم العزيز الذليل؟ قالوا: فمرنا بأمرك، قال آمركم أن تحملوا عليهم. فحمل عليهم بمن معه، فقتل خويلد رجلا من بني بكر، وطعن رجلا فأشواه، وفر منه آخر، وانهزمت بنو بكر، وشرب خويلد وأصحابه من الماء. وخويلد هو الذي نازع تبّعاً حين أراد أخذ الحجر الأسود إلى اليمن، فقام في ذلك خويلد، وقام معه جماعة من قريش، ثم رأى تبع في منامه ما روعه فنزع عن ذلك وترك الحجر الأسود مكانه. ولما حفر عبد المطلب زمزم قال له خويلد: يا ابن سلمى لقد سقيت ماء رغدا ونثلت(استخرجت) بادية(صحراء) حيدا(ما شخص من نواحي الشيء). ولخويلد من الولد خمسة: عدي والعوام ونوفل وعمرو وحزام، ومن البنات خمس أيضا: خديجة وهالة ورقيقة وهند وخالدة، وهم من أمهات شتى. ومن أزواج خويلد ريطة بنت عبد العزى، ومنية بنت الحارث، وفاطمة بنت زائدة وهي ام السيدة خديجة. توفي خويلد يوم حرب الفجار، وقيل بعد الفجار بخمس سنين(وقيل قبل الفجار) وبعضهم قال إنه قتل في الفجار، وقال آخرون أنه قتل في الجاهلية. جدها وكان أسد بن عبد العزى جد خديجة أحد الأشخاص في حلف الفضول الذي تداعت له قبائل من قريش فتعاقدوا وتعاهدوا على أنه لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها أو غيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه وكانوا على من ظلمه حتى ترد مظلمته، حيث قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن ذلك الحلف: (لقد شهدت في دار جدعان حلفا لو دعيت به في الإسلام لأجبت). لقد كانت خديجة من عائلة طاهرة شريفة لم تنجسها الوثنية الجاهلية فبقيت على أصالتها ومكانتها ومجدها وشرفها في قريش حيث عرفت بالفروسية والشجاعة والتضحية والإقدام وحماية الكعبة إلى ان أراد الله تعالى لهذه السيدة الجليلة أن تجمع بين شرف الدنيا وعز الآخرة بزواجها سيد المرسلين، وسخاوتها بالمال وتضحيتها بالنفس من أجل إعلاء كلمة التوحيد في شعاب مكة. إخوتها 1- عدي بن خويلد، ويكنى به، وأمه منية بنت الحارث. 2- العوام بن خويلد، أبو الزبير، وزوج صفية بنت عبد المطلب، عمة النبي (صلى الله عليه وآله)، قتل يوم الفجار الآخر. 3- نوفل بن خويلد، أمه ريطة بنت عبد العزى، ويقال له: ابن العدوية من عدي بن خزاعة، وهو الذي عناه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله يوم بدر: اللهم اكفنا ابن العدوية، فقتل كافرا يومئذ، قتله الزبير بن العوام، وهو ابن أخيه، وقد صاح نوفل: اقتلني قبل أن يقتلني أهل يثرب. وفي(السيرة لابن هشام) وكان من شياطين قريش، وهو الذي قرن بين أبي بكر وطلحة في حبل حين أسلما، فبذلك كانا يسميان بالقرينين، قتله علي(عليه السلام) يوم بدر. وكان يقال له: أسد قريش، ولا عقب له. 4- عمرو بن خويلد، ولا بقية له، وهو الذي زوج خديجة لرسول الله (صلى الله عليه وآله). 5- حزام بن خويلد، وكان يكنى أبا خالد، قتل يوم الفجار الآخر، شهد بدرا مع الكفار ونجا منهزما، وأسلم يوم الفتح وحسن إسلامه، ولم يصنع شيئا من المعروف في الجاهلية إلا وصنع في الإسلام مثله، وكان يقول إذا اجتهد في يمينه: لا والذي نجاني يوم بدر. ومن أحفاده عبد الله بن عثمان بن حكيم زوج سكينة بنت الحسين(عليهما السلام)، وولدت له ولدا يسمى قرينا وله عقب. أخواتها 1- رقيقة بنت خويلد، لم تكن لها صحبة مما يدل على أنها توفيت قبل البعثة، وهي أخت خديجة لأمها، تزوجها بجاد بن عمير فولدت له أميمة، لها صحبة وهي من المبايعات، شهدت مؤتة، وروت عن النبي(صلى الله عليه وآله) وروي عنها وابنتها حكيمة بنت أميمة. قالت أميمة بنت رقيقة: أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في نسوة نبايعه فقلنا نبايعك يا رسول الله على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف. فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): فيما استطعتن وأطقتن. فقالت، فقلت: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، هلم نبايعك يا رسول الله. فقال (صلى الله عليه وآله): إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة أو مثل قولي لامرأة واحدة. 2- هالة بنت خويلد، وهي أم أبي العاص بن الربيع، وهي أخت خديجة من أمها وأبيها. وهي التي استئذنت على رسول الله، فعرف استئذان خديجة فارتاع لذلك، وقال: اللهم هالة، فغارت عائشة وقالت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين، هلكت في الدهر، وأبدلك الله خيرا منها... فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: والله لقد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وآوتني إذ رفضني الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، ورزقت مني الولد إذ حرمتموه.... 3-هند بنت خويلد. 4- خالدة بنت خويلد، زوجها علاج بن أبي سلمة بن عبد العزى الثقفي. هل كانت خديجة متزوجة قبل النبي؟ إن أغلب المؤرخين ذكروا أنها تزوجت أولا وثانيا وولد لها، ثم تزوجت بالنبي(صلى الله عليه وآله)، وأنكر ذلك أحمد البلاذري وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما والمرتضى في الشافي، وأبو جعفر في التلخيص، وذكروا أن النبي (صلى الله عليه وآله) تزوج بها وكانت عذراء، يؤكد ذلك ما ذكر في كتابي الأنوار والبدع أن رقية وزينب كانتا ابنتي هالة أخت خديجة، واتبعهم على هذا القول أبو القاسم الكوفي صاحب كتاب الاستغاثة، ثم أثارها السيد جعفر مرتضى العاملي في كتابه(بنات النبي أم ربائبه؟). ابن عمها ورقة بن نوفل من الشخصيات البارزة في حياة السيدة خديجة ابن عمها ورقة ابن نوفل بن أسد، وأمه هند بنت أبي كثير بن عبد بن قصي، وهو أحد من اعتزل عبادة الأوثان في الجاهلية، وطلب الدين، وقرأ الكتب وامتنع من أكل ذبائح الأوثان وبما أن المسيحية آخر الشرائع السماوية في الجزيرة العربية قبل ظهور شريعة الإسلام لذا تنصر وأصبح رجلا من القسيسين المنتظرين ذلك الدين الأزلي، وكان يكتب الخط العربي، فكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء أن يكتب.وكان همه خروج النبي بتلك الأوصاف التي كانت مشخصة في التوارة والإنجيل لكي يقتدي به ويؤازره. وروي أن زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل خرجا يلتمسان الدين حتى انتهيا إلى راهب بالموصل، فقال لزيد: من أين أقبلت يا صاحب البعير؟ قال: من بيت إبراهيم. قال: وما تلتمس؟ قال: الدين. قال: ارجع، فإنه يوشك أن يظهر الذي تطلب في أرضك. فرجع يريد مكة حتى إذا كان بأرض لخم عدوا عليه فقتلوه، وكان يقول: أنا على دين إبراهيم (عليه السلام)، وكان يقول: إنا ننتظر نبيا من ولد إسماعيل من ولد عبد المطلب. وقال النبي(صلى الله عليه وآله): زيد بن عمرو يبعث أمة وحده. اتجار النبي بأموالها كانت خديجة امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في أموالها وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه... فلما بلغها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما بلغها من صدق حديثه، وعظيم أمانته، وكريم أخلاقه، بعثت إليه وعرضت عليه أن يخرج في مال إلى الشام تاجرا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له ميسرة، فقبله منها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخرج في مالها معه غلامها ميسرة. وروي أن أبا طالب هو الذي اقترح عليه ورغبه بالخروج في تجارة خديجة إلى الشام، وعندما أخبر أبو طالب خديجة بقبول النبي(صلى الله عليه وآله) بذلك فرحت وقالت لغلامها ميسرة: أنت وهذا المال كله بحكم محمد. وهذا لا يمنع من أن يكون ذلك العرض عن أمر خديجة لأبي طالب لاقناع محمد (صلى الله عليه وآله) في الذهاب إلى الشام بتجارتها بقرينة أنه لما اخبر أبو طالب خديجة بقبول محمد (صلى الله عليه وآله) فرحت فرحا شديدا وقال: إن هذا المال كله بحكم محمد. فسافر(صلى الله عليه وآله) إلى الشام وربح في تجارته أضعاف ما كان يربحه غيره حتى أن خديجة قالت: فما ربحت ربحا أعظم من هذه السفرة. أضف إلى ما ظهرت له في سفره بعض الكرامات الباهرة، وهذا ما يهم خديجة لكي يطمئن قلبها بأنه هو النبي المرسل. ومن هذه الكرامات أن ملكين يظلانه من الشمس وهو يسير على بعيره وقت الهاجرة حينما يشتد الحر، وهذا ما رآه ميسرة. وروي أن الغمامة على رأسه تسير حينما سار تظله بالنهار في سفره. وكرامة أخرى حينما نزل رسول الله(صلى الله عليه وآله) تحت شجرة، ونزل الناس متفرقين، وكانت الشجرة التي نزل تحتها يابسة قحلة، قد تساقط ورقها، ونخر عودها، فلما نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) واطمئن تحتها، أنورت وأشرقت واعشوشب ما حولها، وأينع ثمرها، وتدلت أغصانها... وكان ذلك بعين الراهب فلم يتمالك أن انحدر من صومعته، فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي، فسرها ميسرة في قلبه. وكرامة ليست بالحسبان، عندما كان ميسرة يأكل مع النبي(صلى الله عليه وآله) في جفنة حتى يشبعا ويبقى الطعام كما هو. وعندما أخبر ميسرة خديجة بما شاهده من شأن وكرامة محمد (صلى الله عليه وآله) وكلام الراهب ومعجزة الشجرة، وعما رأى من إظلال الملائكة إياه، فقال ورقة: لئن كان هذا حقا يا خديجة، إن محمدا لنبي هذه الأمة، قد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي ينتظر هذا زمانه. فكانت الرغبة القصوى من خديجة لمحمد (صلى الله عليه وآله)، والتقرب إليه والزواج منه لما رجعت في ذلك من الخير، والفوز بذلك النعيم الأزلي مقابل بذل أموالها في خدمته ونشر دينه، لا كما يرجوه ويتقوله بعض الناس، إنها استأجرته بشيء، ولا كان أجيرا لأحد قط كما قال المؤرخ الأقدم اليعقوبي في تاريخه. وبما انه الأمين الصادق فله موقع في قلوب الناس وثقتها به، فإن أراد مالا أعطوه وشاركهم في الربح مضاربة، كما يفعله معظم تجار قريش في المضاربة، ولا داعي ان يكون أجيرا لامرأة أو لأحد، وهذا ما يستشم من خلال ما قاله أبو طالب لمحمد (صلى الله عليه وآله): اعلم يا ابن أخي أن هذه خديجة قد انتفع بمالها أكثر الناس، وهي تعطي مالها سائر من يسألها التجارة ويسافرون بها، فهل لك يا ابن أخي ان تمضي معي إليها وتسألها أن تعطيك مالا تتجر فيه؟ قال نعم. فهذا دليل واضح بأن أموال خديجة قسمان: قسم للمضاربة، وقسم للاستئجار، ولذلك قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يضاربها وتكون له حرية التصرف. وروي أن خديجة هي التي اشترطت عليه في التجارة ومضاربتها لكي تتقرب إليه (صلى الله عليه وآله) وهذا ما اتضح لرسول الله (صلى الله عليه وآله) من خلال ما وضعت له المال تحت تصرفه، وإعطائه خادما له يخدمه في الطريق، كما يفعله السادة التجارة الذين يملكون المال، فلو كان أجيرا حقا لما طلبته خديجة أن يكون زوجا لها بعد رجوعه مباشرة من سفره. زواجها المبارك من خلال التعامل التجاري ومضاربتها أصبح لخديجة ميزان لمعرفة نفسية الرجال وميولهم، وكل قومها حريص على زواجها لو قدروا على ذلك، لقد طلبوها وبذلوا لها الأموال إلا أنها رفضتهم لأنها تبحث بعقلها الراجح وبعدها الثاقب عن ذلك الذي يحمل بين جوانحه دلائل الصدق والأمانة، والعفة والشرف، وحسن الخلق، وأصالة النسب، والتي كلها كانت متمثلة في رسول الله (صلى الله عليه وآله) لذا رغبت في الزواج منه وذلك عن تجربة منها وفق التعامل التجاري معه. ولما حدثها ميسرة عما رآه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين سفره والمعجزات الباهرة التي ظهرت من حوله كتظليل الغمامة على رأسه أينما ذهب، واخضرار الشجرة اليابسة، وقول الراهب له، ناهيك عما باع رسول الله (صلى الله عليه وآله) سلعته التي خرج بها واشترى ما أراد كل ذلك بربح لم يربحه أحد غيره. ولما أقبل قافلا إلى مكة وقدم على خديجة بمالها، باعت ما جاء به فأضعف او قريبا من ذلك، كل ذلك عجل رغبة خديجة بالزواج منه، فانطلقت تلك الكلمات من سويداء قلبها صريحة ناصعة، معلنة الرغبة والمحبة والشوق، فقالت لرسول الله (صلى الله عليه وآله): فيما يزعمون يا بن عم قد رغبت فيك لقرابتك مني، وشرفك في قومك، ووسطتك فيهم، وأمانتك عندهم، وحسن خلقك، وصدق حديثك. ثم عرضت عليه نفسها.. فلما قالت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ما قالت ذكر ذلك لأعمامه. خطوبتها لما رأت خديجة تلك المؤهلات الأخلاقية المتميزة، وذلك الزهو النفسي المتعالي فوق كل ما هو مادي مغري، يضاف إلى تلك المعنويات والكرامات الباهرة الإلهية لها فكانت له بعون الله تعالى رغبتها في الزواج منه. لقد بقي في خاطرها هل يلبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما في مخيلتها، وهل له رغبة وهوى فيها أو لا؟ كل ذلك انكشف حينما أرسلت له نفيسة دسيسا لهذا الأمر، وحينما استطلعتها برغبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) للزواج منها أباحت خديجة بسرورها ورغبتها فكانت الخطوبة وهي خطوة موفقة مباركة تتجلى فيها معاني الحياء التربوي الديني للتقارب ما بين الزوجين على سنة التوحيد الإبراهيمي من خلال أهليهما. وعندما اطمأنت خديجة بعلائم الرضا فيها أخبرت عمها عمرو بن أسد بإقدام عمومة محمد(صلى الله عليه وآله) لطلب يدها منه لمحمد(صلى الله عليه وآله)، كما أخبر محمد(صلى الله عليه وآله) أعمامه وخاصة عمه أبا طالب رغبة خديجة بنت خويلد فيه، فأيدوه على ذلك وفرحوا. ذهب أبو طالب في أهل بيته، ونفر من قريش إلى ولي خديجة وهو عمها عمرو بن أسد وهو يومئذ شيخ كبير لم يبق لأسد لصلبه يومئذ غيره. مهرها على ما يبدو من خلال الروايات أن النبي(صلى الله عليه وآله) عين لها مقدار المهر، إلا أن أبا طالب قد ضمن المهر في ماله كما هو في صريح خطبته، ولما رأت خديجة بأن أبا طالب قد ضمن لمحمد (صلى الله عليه وآله) المهر، سخت نفسها بضمانها المهر كله من مالها كهبة له. وروي أن عليا (عليه السلام) هو الذي ضمن المهر، وهذا غير صحيح لأن عليا (عليه السلام) لم يكن قد ولد. وبعض الروايات تفيد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نفسه قد أمهرها عشرين بكرة، كما في (السيرة النبوية لابن هشام) و(ابن كثير) و(تاريخ الخميس) و(السيرة الحلبية) و(البداية والنهاية) و(إمتاع الأسماع) و(المختصر في أخبار البشر) و(تاريخ الإسلام). وفي(السيرة الحلبية) ذكر من خطبة أبي طالب زيادة وتوضيحا للمهر المعلوم الذي عينه النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: وقد خطب إليكم رغبة في كريمتكم خديجة، وقد بذل لها من الصداق ما عاجله وآجله اثنتى عشرة أوقية ونشاً. إيمان خديجة وإسلامها لما كان الإيمان هو التصديق المطلق بوجود الخالق وبرسله فيما اخبروا به عن الله تعالى، وبالبعث من القبور، وبالجنة والنار، والامتثال لاوامره، والانتهاء عما نهى عنه، كل ذلك كان مهيئا بل وراسخا في سويداء قلب خديجة، وذلك من خلال بحثها الحثيث، وترقبها النبي الموعود الذي سوف يظهر في مكة. ونتيجة ذلك الهدى والإيمان الثابت في قلبها كان سلوك خديجة في التعامل الاجتماعي والأخلاقي منسجما مع تلك الشرائع السماوية الحقة في الأرض لأن الإيمان فيها معرفة كنه هذه الأمور حلالها وحرامها لذا فهي الطاهرة التي تميزت عن نساء قومها في التعامل مع الرجال في تجارتها لأن الدين لازال قيما عليها رغم تردي الأوضاع الاجتماعية بسبب اتخاذها الوثنية بابا في التعبد تاركة وراءها التوحيد الإبراهيمي المهذب للنفوس. ولما تقارب أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحضر زمان مبعثه الشريف، وتجلى روح الأمين أمام شخصه يتلو عليه من هدى القرآن على قلبه فاطمئنت جوانحه فراح يبث بشراه لمن كانت تنتظر صدى نبوته، فاستقلبته بتصديق القلب قائلة: أبشر، فإن الله لا يصنع بك إلا خيرا. وعند مؤزرتها له تلألأ قلب النبي (صلى الله عليه وآله) أملا، وتسارع التاريخ يخط على جبينه أحرفا من ذهب أول امرأة أسلمت. ومن خصائصها التي نالت بها أعلى مراتب الشرف والكمال فإنها أول من آمن به (صلى الله عليه وآله) من النساء والرجال فصدقته وآزرته وأعانته وثبتته. فكان(صلى الله عليه وآله) لا يسمع شيئا من زمرة الإلحاد من تكذيب وجحود وعناد ويرجع إلى خديجة إلا ويجد عندها كل هدى وسداد فتهون عليه الرزايا وتواسيه وتبعث الطمأنينة إلى نفسه وتمنحه العطف وتبشره بما سوف تراه فيه. لقد خفف الله تعالى بسبب إسلامها عن نبيه كل هم، وفرج عنه ما أصابه في الدعوة من تعب وغم، أ فلا تستحق هذه المرأة الطاهرة المتفانية في نفسها ومالها وإيمانها وإسلامها أن تكون قرينة وزوجة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في الجنة؟!. وقد ثبت أنها صلت معه وتشرفت بمنقبة الوضوء، فعن أبي رافع: صلى النبي(صلى الله عليه وآله) أول يوم الاثنين، وصلت خديجة آخر يوم الاثنين، وصلى علي (عليه السلام) يوم الثلاثاء من الغد.
عدل سابقا من قبل صــ( الورد )ــــفـــاء في الإثنين فبراير 14, 2011 4:48 pm عدل 1 مرات (السبب : الخط صغير)