بسم الله الرحمن الرحيم
الثبات بعد رمضان
الحمد الله المتفضل علينا بالخير والإحسان
والصلاة والسلام على سيد الأنام محمد صلى الله عليه وسلم وبعد
إن من فضل الله وكرمه أن منّ علينا وبلغنا شهر رمضان ، هذا الشهر الكريم
المفعم بالعطايا الربانية والنفحات الروحانية ، وهاهو الشهر الكريم يرحل ويطوي
صفحاته بما تحتويه من أعمال العباد فيه فمنهم من وفق ونال المثوبة والأجر ومنهم
من أغوي وحصد الخسران والخيبة والحرمان ، فهنيئا لمن وفقه الله لصيامه وقيامه
وفعل الخيرات فيه
رمضان ودعنا ولوداعه القلوب مكلومة والعيون دامعة والأجواء موحشة
رحل رمضان فكيف حالنا بعده ، أنمضي قدما فيما كنا عليه في شهر رمضان
ومدى مداومتنا على الطاعات وفعل الخيرات والتقرب إلى الله بالنوافل والصدقات
أم تخور الهمم ويعترينا الكسل ويسيطر علينا الملل فننتكس على أعقابنا فنرد خاسرين
إن عبادة الله وطاعته فرض واجب علينا من حين بلوغنا سن التكليف حتى الممات
فعبادة الله وطاعته ليست موسمية بل هي دائمة أزلية مستحقة واجبة الدوام ما دامت
السماوات والأرض ومن فيهن فأصل وأساس وجودنا هو عبادة الله قال تعالى
{ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }
سئل بشر الحافي رحمه الله أن قوما يعبدون الله ويجتهدون في رمضان ؟
فقال : ( بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد
السنة كلها ) انتهى كلامه رحمه الله
أو ليس رب رمضان هو رب شوال وذو القعدة وسائر شهور السنة ، هل من يقتصر
عبادته على شهر رمضان أيعبد الله حقَّا أم يعبد رمضان والعياذ بالله ؟
فمن كان يعبد رمضان فإن رمضان قد انقضى وفات ورحل وانطوت أيامه
ومن كان يعبد الله فإن الله حي باقٍ دائم لا يموت ، إن رمضان أفضل الشهور
وهذا لا شك فيه والعبادة فيه أجرها مضاعف عند الله من غيره من الشهور
ولكن هذا لا يعني أن تقتصر العبادة والطاعة فيه دون غيره ثم إذا ما رحل تركنا
التعبد والتقرب إلى الله ، وعدنا لما كنا عليه من لغط ولغو وقبيح الفعال معتقدين
أن رمضان سيكفر عنا كل ما فعلناه من الموبقات وترك الواجبات وفعل المحرمات
التي اقترفناها خلال العام ، ولم نعلم أن تكفير الصغائر مقرون باجتناب الكبائر
قال الله تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم
وقال صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان
إلى رمضان كفارة لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر
فلنحذر أن ننقض العهد مع الله ونجنح بعد رمضان إلى المحرمات فعلا وقولا
وسماعا ، ولنعلم يقينا أن عذاب الله أشد من أن يتحمله لحما وعظما
إن من رحمة الله بنا أن وهبنا مناسبات وأوقات فضيلة نجدد فيها عهدنا مع الله
ونقوي بها إيماننا وتحفزنا للتقرب إليه ، وقد أودع الله هذه الأوقات والمناسبات
في أزمنة متفرقة من السنة ، فقد وهبنا شهر رمضان من صامه إيمانا واحتسابا
غفر له ما تقدم من ذنبه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{ من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له
ما تقدم من ذنبه
ووهبنا الله في شهر رمضان ليلة القدر والتي هي خير من ألف شهر
يقول الله تعالى ليلة القدر خير من ألف شهر
ثم وهبنا أجر صيام الست من شوال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من صام رمضان وأتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر
ثم يمن الله علينا ويهبنا العشر من ذي الحجة يقول الله تعالى والفجر وليال عشر
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من
هذه الأيام (يعني أيام العشر من ذي الحجة ) فقالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل
الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء}
كما أكرمنا الله بثواب الحج وهو ثواب جزيل ويخرج المرء من ذنوبه كيوم ولدته أمه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه
كيوم ولدته أمه
ثم يكرمنا الله بنفحاته التي لا تنقطع في بداية العام من الشهر المحرم وصيام يوم عاشوراء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صيام يوم عاشورا احتسب على الله أن يكفر السنة
التي قبله
إن رحمة ربنا بنا واسعة وفضله علينا عظيم فهناك من الأعمال الجليلة والعبادات العظيمة
ما أوجبه الله لنا وحبب لنا فعله دوما لنكون على صلة دائمة به منها الصلوات الخمس على
مدار اليوم والليلة ، يقول الله تعالى : إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا
ومنها صلاة القيام في الجوف الأخير من الليلة والذي فيه ينزل ربنا
جل جلالة وعظم سلطانه إلى السماء الدنيا في كل ليلة ليتوب على التائبين ويغفر
للمستغفرين ويجيب دعوة المضطرين ويعطي السائلين
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى
الثلث الأخير فيقول من يدعوني فاستجب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فاستغفر له}
وهناك فضل صيام يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع وهما يومان ترفع فيه الأعمال
إلى الله ، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصوم الاثنين والخميس فسألته ؟ فقال : إن الأعمال تعرض يوم الاثنين والخميس فأحب
أن يرفع عملي وأنا صائم
وهناك فضل صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام
ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله متفق عليه وتعرف بأيام البيض أي الثالث عشر
الرابع عشر والخامس عشر من كل شهر ، عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : إذا صمت من الشهر ثلاثا فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة
وخمس عشرة رواه الترمذي
ولو تطرقنا لأوقات الخير ومناسبات الفلاح التي وهبنا الله لطال بنا المقام كثيرا
إن فضل الله علينا عظيم وإحسانه جزيل وخيره لا ينقطع ، فهو المستحق للعبادة
على الدوام ، ونحن دائما وأبدا في حاجته كل وقت وحين أما هو عز وجل
فهو الغني عنا ، ولكن رحمته بنا واسعة ويفرح بتوبة العبد ويغفر الذنوب جميعا
إلا الشرك به ، فلنرتقي القمم ونعتلي الهمم ونداوم على عبادة الله وطاعته والتقرب
إليه في كل الأوقات ولا نسلم أنفسنا لهواها ونتبع خطوات الشيطان إنه عدو مضل
مبين ، وعلينا الثبات في فعل الخير والتقرب بالصالحات فإن الله واسع المغفرة
وهو رؤوف بالعباد
أسأل الله لنا جميعا الثبات وصدق النية والإخلاص في العمل والاجتهاد في العبادة
اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك وطاعتك وعبادك
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادك في كل وقت وحين
اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب
اللهم وفقنا إلى صالح الأعمال وإلى كل خير وبر إنك سميع مجيب
وصلى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم